كتّـاب ومقالات

فرق التطوع النسائية.. آثار جوهرية ومحاسن تربوية

 حينما تمارس المتطوعة العمل التطوعي بمجالاته، من منطلق التعبد الخالص لله، واحتساب الأجر والثواب من عنده بنية خالصة، فإنها تشبع لديها الجانب الديني لهذه الشعيرة التعبدية، فتفرغ الطاقات البدنية بما يعود عليها بالنفع، فنجد العمل التطوعي قد ساهم في تصريف الطاقات؛ مما يشعر بالطمأنينة والسكينة في النفس، كذلك نجد أن الأوقات التي تضيع بدون فوائد حين توجه إلى هكذا عمل ستكون بالتأكيد لها عائد و مردود طيب لدفع الهموم والأمراض النفسية، وإشباع العواطف والانفعالات؛ لما للتطوع من ميزة إشباع الحاجة إلى التقدير والاحترام والحب والبذل والعطاء. 
تقول إحدى المتطوعات: “لقد كنت أعاني من القلق والفراغ والهم، فما أن توجهت لهذا العمل إلا وأصبحت أجد الرضا في النفس بقضاء الله، وفقدت تلك القسوة القلبية حينما استشعرت صدق انتمائي لديني ومجتمعي، حيث شغلني عن هموم الدنيا، وبدأت أتعافى من ذاك الداء المتفشي في المجتمع”. ا.هـ. 
     من هنا نتذكر قوله ـ صلى الله عليه وسلم  ـ: (( أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك، وتدرك حاجتك )). صحيح الجامع. 
     كما يساهم التطوع ـ أيضا ـ في تهذيب الأخلاق وتحسينها، من خلال مخالطة المجتمع. قال ـ صلى الله عليه وسلم  ـ: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم )). صحيح الجامع. 
    فالتطوع له آثار على مستوى أفراده وجماعته، فهو عامل رئيسي في إشاعة جو الود واللحمة المجتمعية، وهو ـ أيضا ـ سبب لحماية المجتمعات من الجرائم والانحرافات، وعامل من عوامل النهضة المجتمعية. 
    ونجد في هذه الآونة الأخيرة ظهورا ملحوظا لبعض اللجان والفرق التطوعية النسائية، التي حققت القبول، ولامست الاحتياج، فتسابقت الفتيات الصالحات للعمل المتقن، والذي يعود عليهن وعلى مجتمعاتهن بالخير الوفير، فتعددت نشاطاتهن، ومن هذه الأعمال: عيادة المريض، وهي تلك الشعيرة التي حث عليها رسول الله ـ صلىالله عليه وسلم  ـ. وأما الأحاديث، فهي كثيرة في الترغيب في الزيارة، وبيان ثوابها، وأنها من الحقوق المؤكدة، ومن هذه الأحاديث: قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: “حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ. وفي رواية: خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ”. رواه البخاري ومسلم. وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: “أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ”. رواه البخاري. ومما ورد في فضلها: ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: “إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ”. و قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا”. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني. 
     كذلك نجد اهتماماتهن توجهت للمساجد والعناية بها، فما أجملها من عبادة، وما أجملها من قربى، وما أحلى ثمارها.. يكفي الإنسان شرف خدمة بيوت الله، فتفنن في العناية منهن من تطوعت بمبلغ صيانة، وتوزيع البرادات في المساجد، وتغيير الفرش لها، فهنيئا لهن التسابق إلى الطاعات، وهنيئا لهن الأجر والثواب من الله تعالى، وما هذا إلا سوى دليل على غراسهن الحسن، فقد نبتن من بذور الخير والعطاء.
 
      ولم تنس فتياتنا الخيّرات توجههن لدور الأيتام، وعمل بعض الفعاليات التي حققت انسجاما مميزا بين المتطوعات وبين دور الأيتام، لما لهذه الفعالية من تحقيق للترابط بينهن وبين ساكنات تلك الدور، فهم بحاجة إلى الانتماء وتلك اللمسة الحانية والترابط المجتمعي، فالتصدق بالمشاعر، والتبرع بالأحاسيس، يزيل سواد القلب، وعلينا أن نتخيل حال اليتم والأيتام، تقول أحدى المتطوعات: “لقد كنت بين أسرتي، حاجتي بيدي وبين والدي وإخوتي، لكنني كثيرة التضجر، أنتقد ذاتي ومن حولي، لا يعجبني شيء، مللت حياتي، فدائما أنا في حيرة وقلق، وحين انضممت لتلك اللجان أحسست بشيء غريب يخالط شعوري، خرجت من الدار وقد تغيرت نظرتي لنفسي، واحتقرت أسلوبي، وحمدت الله على نعمة غيرت مجرى حياتي وتفكيري للأفضل”. 
     الكلام عن هذا يطول؛ فهو جزء من مفكرة نسائية تطوعية، والحمد لله على سوابق فضله وإنعامه.
بقلم/ مها صالح العيسى
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى